کد مطلب:306561 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:174

رزء لا یوصف


واترك ما كنت فیه.. لعدم امكان ای شخص و مهما بلغ من الحس والادراك- و تجسید الخفایا- فی ان یصور او یجسم و لو بعضاً من ذلك الرزء العظیم، الذی دهم اهل بیت المصطفی.

فأن اردتُ وصفه لنضب الخیال علی سعته.. و غاض بحر الشعر علی غزارة مادته.

.. و أذن فما اقول انا ایتها الحشاشة.. و عن أی فجیعة اشرح تلك الفجیعة التی صدعت كیان كل مسلم، مهما بعد عن زمان رزئكم، فأستعبرت قائلة سیدتی:

انی لمثلی ان تدرك مكنونات هذا الرزء و لو بشی ء ضئیل.. و انت الزهراء، التی ینعت فی حجر الرسول و احضان رسالته..، ینعت بین خمائل رحمان الوحی الذی كان یتنزل علی خاتم المرسلین، فكان لك القائد و المولی و المقتدی.

فلولا عظمة ایمانك و تحملك و صبرك؛ لصدع قلبك لهذا المصاب الجلل، لانك كنت ترین اباك بحراً من العلوم، و الرأفة و الرحمة، و عشت معه تحت سقف واحد، كان یظللكما.

فكنت اقرب الناس الیه و بضعته، و فلذة كبده [1] ، كما كنت من قبل الابنة و الام، تحیطینه بأسمی مشاعر الحب، و تفیضین علیه من خمائل عطفك.. و تسعین كل همومه.

لانك كنت تنظرین من ورائه الی الهدف العظیم، الا و هو بث الاسلام


وانتشاره، الی اقصی نقطة فی العالم.

.. و هكذا كبرت بكنفه وسط قلبه الكبیر، فورثت منه كل كمال و رفعة.

.. فعقد قلبیكما بقید متین من اللَّه لا یحله، الا الثری فی ریب المنون. فلا لذة الا بجوار محمد، و لا سعادة الا فی فجر ابتسامته و عذوبته.

و ما كنت یا مولاتی ترینه، الا خیراً عمیماً ینشر جناحیه علی الدنیا، فیخرجها من الظلمات الی النور والحقیقة.

.. فهو تلك الاجنحة النورانیة، التی تنثر ضوء نورها وسط كون حالك بالظلام، فتصبح السعادة لوناً من الوان هذا النور، و هو یتخبط العالم المقفر فیصیرهُ مبصراً.

.. و اننی واللَّه یا سیدتی لا استطیع ان اصف هذا الموقف المحزن، الذی هد كیانك.

فما كانت الكلمات تغنی عن كنه الاحاسیس التی انتابت نفسك.

فالمصیبة اذا عظمت خلت عن البكاء، والأنین.

.. وها أنا عاجزة محتارة عن وصف تلك الدموع الاثیرة، التی انحدرت من مآقیك.

اذ اننی اتراجع مذهولة امام سیل هذا المصاب والحزن العظیم.

.. فعواطفك هی اعظم من ان یصفها احد من العالمین.

بلی مولاتی حقیق لك ان تكرب نفسك و تحزن.

.. فلقد فقدت تلك الروح، التی ترمز للوصال والألفة، و ترتع تحته بأسوته الحسنة كل النفوس، فتلك مصیبة عظمی حلت علی الكون.

وها هی مدینة الرسول مقفرة تمور فی حزن عمیق، والشمس تسقط ضؤها باشعة باهتة متكسرة الزوایا، و عیناك سیدتی محتقنة الاوداج، ترشق كل من حولها بدمع الاسی، فالعواطف تبقی بالروح، و قد تتواری عن القلوب حیناً، و تهج حیناً


آخر.

.. و لكن هل كانت دموع و احاسیس و عواطف الزهراء تتواری عن قبلها و لو هنیئة؟ و لا یدرك تلك المكنونات و الاحزان سوی اللَّه سبحانه.

فتخیر لك سیدتی افضل نادب، و مواسی، و معزی، یلیق بمقامك الشریف و منزلتك العظیمة.

.. فما اقول بالذی فلق الحب والنوی، و الذی علا الخلائق بجبروته و سلطانه، و كبریائیه.

فهو من یدرك هذه الرزیة، والمتكلم عن مالك السموات و الارضین جبرائیل الامین و لسان الوحی المبین.

.. فلقد ظل جبرائیل بقرب شبح البتول الضانی، و هو یناجیها، و یطیب نفسها، و یخبرها عن ابیها و مكانه فی الجنة.. و یعزیها و یسلیها بهذا المصاب، حزناً علی بكائها الذی ابكی السماء.

فكان علی «المفجوع المهدود الركن» یستمع لتلك التعازی والمناجات.. فیكتبها و یكتب ما یخبرها جبرائیل، عما سیكون من بعدها فی ذریتها [2] .

و مع انه علیه السلام استطاع ان یفرض علی نفسه بعض من الصبر، لكن عیناه أبت ان ترقأ، و ابی ان یخفت و جیب قلبه و هو لا ینی یردد من بین الدمع بنبرات ثاكل محزون:

[(بأبی أنْتَ و أُمِّی یا رَسُولَ اللَّه! لَقَد انْقَطَعَ بِمَوْتِكَ مَا لَمْ یَنْقَطِعْ بِمَوْتِ غیْرِكَ مِنَ النُّبُوَّةِ و الأنْبَاءِ


وَ أَخبَارِ السَّماءِ. خصَّصْتَ حَتَّی صِرْتَ مُسَلیاً عَمَّنْ سِوَاكَ، وَ عَمَّمْتَ حَتی صَارَ النَّاسُ فِیكَ سَوَاءَ.

وَ لَوْْلا أنَّكَ أمَرْتَ بالصَّبْرِ وَ نَهَیْتَ عَن الْجَزَعِ، لأنْفدْنَا عَلَیْكَ ماءَ الشؤُونِ وَ لَكَانَ الدَّاءُ مُمَاطِلاً والْكَمَدُ مُحالِفاً، وَقلا لَكَ!

وَ لَكِنَّهُ مَا لا یُمْلَكُ رَدُّهُ، وَ لا یُسْتَطَاعُ دَفعُهُ! بأبی أنْتَ وَ أُمِّی! اذكرْنَا عِنْدَ رَبَّكَ وَاجْعَلْنَا مِنْ بَالِكَ)]! [3] .


[1] روي البخاري في صحيحه ان رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله و سلم قال: (فاطمة بضعة مني الخ..) في كتاب (بدء الخلق). و رواه ايضاً: خصائص النسائي ص 34، مسند أحمد ج 4 ص 323، صحيح الترمذي ج 2 ص 319، حلية الأولياء ج 2 ص 40، الحاكم في مستدرك الصحيحين (و قال): هذا حديث صحيح مسلم في باب فضائل فاطمة عليهاالسلام، سنن البيهقي ج 7 ص 64، كنزالعمال ج 6 ص 220، فيض القدير ج 4 ص 431، كذلك ذكره جمع من علماء الشيعة.

[2] مصحف فاطمة: عن الامام الصادق عليه السلام «ان فاطمة دخلها حزن شديد علي ابيها و كان جبرئيل يأتيها فيحسن عزاءها علي ابيها و يطيب نفسها و يخبرها عن ابيها و مكانه و يخبرها بما يكون بعدها في ذريتها و كان علي يكتب ذلك فهذا مصحف فاطمة». المصادر: بحارالأنوار ج 43 ص 157، الكافي ج 1 ص 188 و ص 239- و كذلك عندها الجفر و الجامعة و غيرهن، بصائر الدرجات 150، دلائل الامامة الطبري الصغير ص 27 ط ايران مؤسسة الزهراء.

[3] نهج البلاغة خ رقم (235).